مَطر
مَطر
مَطر"
يا عازفَ السَّحرِ على أهدابِ الخَيال
قَدْ زارَنا المَطر!
تَعانقَ الغَمامُ راقِصاُ
فأمطَرَنا وجوه
عيونُها
مناجمُ حقدٍ وثأر
أُنوفُها
جيوشُ نحل
تهافتَتْ لتستأصلَ رحيقَ أطفالي
ألسنتها
أحذيةٌ متآكلة
خَطفَتْ خُطى أحلامِنا
وعانقَتْ بها أبوابَ الجحيم!
وجوهٌ
داسَتْ بنَتَنِها على مسكِ اليتامى
عَرَّتْ دموعَ النساءِ على صدورِ الجُبناء
بعد إذ كُنَّ خُدارى!
أحالَتْ ليلَ بغداد
جمراً
لتَقبيل أوردةَ المُحبِّين بالخَناجِر!
وجوهٌ
تبحثُ في عيونِ الجوعِ المُتيَبسة
عن الدمِ الأسوَد!
وجوهٌ
نَبتَتْ على حدودِ بَغيِها غاباتُ الضلالة!
وأُخرى
ارتَدَتْ قِبابَ الله عمامةً!
يَغلي تحتها خضابُ النُبوَّةِ المسروق
وأُخرى
اعتَصرَتْ جسدَ العراقِ نبيذاً
مسكوباً
على جيدِ الغَواني!
وأُخرى
مُتخَمةٌ بالشِّركِ حَدَّ اختناق السماء!
ها هو ذا نبيُكم المزروع بصدورِكم
يهتفُ ثائراً
" أَعْلُوا هُبَل
أَعْلُوا هُبَل "
والقَصَبُ العاشقُ ينحَبُ الجراحَ
تكبيرُ عيد
" عراقنا أعلى وأجَلّ "
" أَعْلُوا هُبَل
أَعْلُوا هُبَل "
والنَخيلُ الأسير يَعدو نحوَ قُضبان الحياةِ الصَدئة
باكياً وطناُ جريح
" عراقُنا أعلى وأجَلّ "
" أَعْلُوا هُبَل
أَعْلُوا هُبَل"
ونهراكَ الجاريانِ بأضلُعي
ضمّا جسدَك العاري مِنْ الزَيفِ
ولَحّنا نبضَ السواحلِ فيك
حين يشُّم النحور!
" عراقُنا أعلى وأجلّ "
"أَعْلُوا هُبَل
أَعْلُوا هُبَل"
وبغدادُ المُتَيَّمةُ المُيَّتَمة
لَملَمَتْ جُرحَك قناديلاُ تنزفُ ضياءاً بقلبِها
وحلَّقَتْ بكَفَيِّها يماماً على أعتابِ السماء
تبثُّ إلى اللهِ شكواها
يا رب
يا رب
يا رب
ما قولك بحقائبٍ
قَدْ جَلدَ الأوباشُ على ظهرها
عنوان الطفولة!
ما قولك بعيونٍ
بقيَتْ عُمراً مُعلَّقةً على بابِ الدار
تَحتَضِنُ كُلَّ ليلةٍ طيفُ أبٍ بِلا هَوية!
ما قولك بقلوبٍ
هُجِّرَتْ إلى منافي عُصورٍ
لم تطأها أقدامُ التاريخ!
ما قولك ببغداد
التي صلّى على أطرافِ ثوبِها الأبيض
كل الرُّسل والأنبياء
واليوم
جاءوا ليَخنُقوا حُبَّ العراقِ فيها
حين احرقوا رسائلَ السماء على سريرِ طُهرها!
وحين كبَّلُوا حبيبها بأساور كِسرى
والأفعى ملتفةُ بشغفٍ حولَ نحره!
ونخّاسُ الروم
ينتظرُ تحتَ أقدامِها
وأدَ شمسِها!
حامت ككلِ الأرواح التي قبلَّت جبهتها
وفيها غصة ابتلعت الأزمنة المتعفنة
لتُصهل أنّاتها أمجاد خدَّرها التغريب!
" أنا بغداد
أرضعتُ المنايا من صبرِ مَدامعي
حتى احتمتْ بفيء ثباتي
كَمْ ارتَعت فيَّ المصائبُ بالوَغى
حتى اقشَعرَتْ أبدانُ الطبول!
كَمْ نالني رُمح الزمانِ بظُلمِه
حتى انحنى باكياً عند أبوابي!
كَمْ هَجّروا البسمات من شفاهي
فاستوطَنَتْ البسمات أملاحاً بأفواهِ جراحي!
كَمْ مرةً صَلَبوا العراقَ بدمي
ولَمْ يَمُتْ
لأنهُ سَرى أقماراً بأوردتي!
كَمْ حاولوا إذلال المآذن ونواقيس المسيح
بجبهتي
فانبثق الدين أنجماً من أسواري!
كَمْ عانق المَوتُ أصدافَ شُطآني
ولم أمت
بل أُزهر القداح في أحداقي!
أنا بغداد
عاشقةٌ حَد الثَمالة تُربتي
سَكرى بحُبِك يا عراق
لا تحزن
ستَحترقُ كل الوجوه البائسة في مزابلي
فبراكينُ بقائي تُلهب الموت
حين تُنشدُ على مسامعِ الكونِ المُشرَد
عراقُ بغداد أعلى وأجَل"
" مطر
مطر
مطر"
" أنا بغداد
سأُمطِرُ العراق
أنا
وأنا
وأنا"